شعرة معاويـــة ..... والرابح سعدان
بداية أكاد أجزم أنه وعبر تاريخ الحكم والسياسة في البلاد العربية والإسلامية ،
لم يعرف الناس داهية أشد حنكة من معاوية بن أبي سفيان رأس الدولة الأموية ، حتى أن مقولته الشهيرة :
« إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني،
ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت كانوا إذا مدُّوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها »
أضحت نظرية يتغنى بها الكثيرون وخاصة السياسيون منهم ،
وهي صالحة لكل المواقف والمسؤوليات حين يتطلب الأمر تطبيق هذه النظرية .
وقد أراد بهذه العبارة تطبيق سياسة الدبلوماسية الهادئة مع الناس ،
فيُلاَيِنُهُم عند مواقف اللِّين ، ويشتد معهم عند الضرورات ، وهو في ذلك كله إنما يراعي " أمزجتهم" .
سعدان والصحافة :
من منظوري كشاب جزائري ينظر إلى "بعض" الصحافة نظرة ريبة وعدم طمأنينة "إلا ما رحم ربك" ،
لأن هذه "السلطة الرابعة" إنما تخدم مصالحها ومصالح محرِّكيها ،
و يكذب على "نفسه" من يعتقد أنها فعلا تسعى للصدق والمصداقية ، ونقل الحقيقة وتحليل الأحداث
فنحن نعلم أنها في أحايين كثيرة إنما تثير الفوضى أكثر مما تهدئ ،
وتهدم أكثر مما تبني ، وتعطب من حيث تعتقد أنها تصلح ،
وهي بين هذا وذاك سيولة نقدية وربح وفير "يبيع الريح ويشد الصحيح" ،
فخلال معالجتها للأحداث المتعلقة بالفريق الوطني ومدربه و الطاقم ،
نراها تتقلب بين الرضا تارة وبين السخط تارة أخرى فهي ترضى عن سعدان في حالتين لا ثالث لهما ،
أولها حين يحقق الجيد من النتائج ، والثانية حين تتدخل يد من حديد للذَّوْدِ عن سعدان "رْزَامَة صْحِيحَة" ،
هناك فقط تجد هذا النوع من الصحافة يهلل و يكبر ما شاء له ذلك ،
وفي كل مواقفها فهي تجرف معها سيلا من الجمهور "الأميِّ" المغلوب على أمره ،
ونحن نعلم جيدا أن بعض هذه الصحافة قد ازدهرت تجارتها في الآونة الأخيرة ،
أين أصبح الفريق يحقق النتائج المقبولة ، وكما لكل حرب أثرياء ولكل أزمة تجارها ،
فإن معارك "محاربي الصحراء" الأخيرة ولَّدت لنا "جرائد ثرية" وأخرى فاحشة الثراء.
حتى أن بعض هذه الصحافة أثارت القلاقل والسخط خلال دورة "أنغولا 2010" ،
وبالضبط بعيد مباراته مع مالاوي ، ولكنها ما لبثت أن تلقت صفعة قوية
من سعدان وكتيبته ، جعلتها تديرعجلة النقد 180 درجة .
سعدان والجمهور الوفي:
في خضم الأحداث و محدودية وسائل الإتصال والإعلام الثقيل نجد أن الجمهور الجزائري
إنما يعتمد على الصحافة المكتوبة لتتبع أخبار فريقه ومطالعة كل جديد ،
فحشرت أنفها في ظل غياب التلفزيون الجزائري بمختلف قنواته ، صار الإعلام المكتوب أقرب ووزنه أثقل ،
وصارت شعرة معاوية بين سعدان والصحافة المكتوبة ، بين شد وجذب ، وصار موقفه كموقف معاوية ،
هذا بعد أن استنفد كل الطرق في إيجاد قنوات أخرى للإتصال بعيدا عن "بعض" هذه الصحافة
الغائبة عن المصداقية والوسطية في معالجة الأمور وتحليل النتائج ، فزادت عليه الضغوط
و أصبح يبحث عن الفرص المواتية لكي يلتقي الإذاعة أو التلفزيون ،
حتى ينفس عن نفسه ويتصل مباشرة بالجماهير الغفيرة ،
ليبرر تارة دوافع الهزيمة وتارة أخرى أسباب الفوز ،
مبتغاه في ذلك كله أن لا يقطع ود الجمهور الجزائري وحبهم لفريقهم ،
وحتى لا يفقدهم الأمل في تحقيق نتائج أفضل في المونديال.
أخيرا وليس آخرا
إن ما أردت قوله أن أي فريق في العالم ومهما كانت عراقته وقوته يتقلب بين الفوز والخسارة ،
بين التأهل والإقصاء ، بين التتويج وبين ضياع الألقاب ، و هو ما كان يحدث بالجزائر في سنوات مضت ،
ولا نلبث أن ننسى كل شيء ، أما اليوم فقد تبدلت الأوضاع و أصبحت بعض صحافتنا
أحيانا تقيم الدنيا ولا تقعدها لأجل تعثر أو خسارة ،
فلماذا هذا التهويل الزائد ، ولماذا تصل بنا الأمور إلى حد خرج علينا الشيخ سعدان
وهو في حالة من الحزن على ما يمكن أن تؤول إليه أوضاعه الأسرية ،
إن هو أخفق في تحديه ؟ ألم يكون جديرا بنا كجزائريين أن نهمل هذه "الفهامة" لبعض هذه الصحف
ونلغي دورها التافه في التحدث باسمنا كجزائريين ؟
ألم يكن حريا بنا أن ننزع شعرة معاوية من أيدي هذه الصحف
العابثة بعواطفنا تارة و استغبائنا تارة أخرى - وفي أكثر من مناسبة - باسم حرية التعبير ؟
ألم يكن حريًّا بنا أن نلغي هذه الشعرة من الوجود ،
وإيجاد سبل أخرى للإتصال بالفريق ومدربه وطاقمه ؟
أسئلة كثيرة يجب الإجابة عنها ولكنها صعبة الإجابة .
م ن ق و ل